الحوار الوطني بالعراق.. البحث عن إبرة في «كومة قش»
الحوار الوطني بالعراق.. البحث عن إبرة في «كومة قش»
في محاولة للخروج من مأزق محتدم منذ نحو 10 أشهر، شهد العراق انطلاق الحوار الوطني بهدف تخفيف حدة التصعيد المتواصل، وسط غياب رئيس التيار الصدري الزعيم الشيعي مقتدى الصدر.
وقبل أسبوعين، اقتحم متظاهرون من أنصار مقتدى الصدر، مقر البرلمان العراقي، على خلفية المظاهرات بالمنطقة الخضراء شديدة التحصين بالعاصمة بغداد، في خطوة تنذر بوقوع صدام محتمل.
ويشهد العراق أزمة سياسية خانقة، جراء خلافات بين القوى السياسية على تشكيل حكومة جديدة، منذ إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في 10 أكتوبر 2021، إذ اختار تحالف قوى "الإطار التنسيقي" محمد شياع السوداني مرشحا لرئاسة الحكومة المقبلة.
وانقسمت المواقف بشأن ترشيح السوداني بين مؤيد ورافض، حيث طالبت الحركة الاحتجاجية والتيار الصدري (شيعي) بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة وترشيح شخصية لم يسبق لها أن تولت أي منصب حكومي.
والسوداني (52 عاما) سياسي عراقي بارز مقرّب من إيران ويصفه قياديو التيار الصدري بأنه "ظل" رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وسبق أن تولى مناصب حكومية.
والثلاثاء، دعا رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قادة القوى السياسية إلى اجتماع في قصر الحكومة بالعاصمة، لبدء حوار وطني جاد من أجل إيجاد الحلول للأزمة السياسية في البلاد.
لكن التيار الصدري أعلن عدم مشاركته باجتماع الحوار السياسي، قائلا في بيان: "التيار الصدري بجميع عناوينه وشخصياته السياسية لم يشترك فـي الحوار السياسي الذي دعا إليه رئيس مجلس الوزراء لا بطريق مباشر ولا غير مباشر".
يأتي هذا الانقسام في وقت تتصاعد فيه دعوات سياسية محلية وإقليمية للتهدئة والحوار بين الفرقاء باعتباره السبيل الوحيد لحل الأزمة وحماية العراق من الانزلاق في الفوضى.
تنافس مُعطل
ويترقب العراقيون أن تسفر جلسات الحوار الوطني عن لم الشمل وتذليل العقبات بشأن التعثر السياسي في البلاد، لا سيما في ظل ترحيب الأمم المتحدة وحضور المبعوثة الأممية إلى العراق جينين بلاسخارات.
والأربعاء، قالت وسائل إعلام محلية، إن المحكمة الاتحادية العليا أجلت البت في دعوى حل البرلمان حتى 30 أغسطس الجاري، والتي تتناول اتهامات بـ"الإخفاق في انتخاب رئيس الجمهورية والتجاوز على التوقيتات الدستورية لتشكيل الحكومة الجديدة".
والأسبوع الماضي، دعا مقتدى الصدر، مجلس القضاء الأعلى إلى حل البرلمان خلال مدة لا تتجاوز يوم 20 أغسطس، وتكليف رئيس الجمهورية بتحديد موعد لإجراء انتخابات مبكرة.
لكن مجلس القضاء الأعلى، قال في بيان إنه "ليس من بين صلاحياته ما يجيز التدخل في أمور السلطتين التشريعية والتنفيذية، تطبيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات".
ويعتبر مراقبون أن التنافس بين التيار الصدري والإطار التنسيقي وإصرار كل منهما على رؤيته الخاصة في رسم المسار السياسي للمرحلة المقبلة، سيؤدي إلى مزيد من التصعيد خلال الفترة المقبلة.
وتشهد عملية تشكيل الحكومة انسدادا سياسيا، بسبب تمسك التيار الصدري ببرنامج الأغلبية الوطنية، بينما يحاول الإطار التنسيقي البقاء في حالة الأغلبية الشيعية وضمان حقوق "المكون الأكبر".
والإطار التنسيقي، هو ائتلاف سياسي عراقي تشكّل في أكتوبر 2021 من قوى شيعية بهدف تشكيل حكومة محاصصة توافقية، وعارضه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مطالبا بحكومة أغلبية سياسية.
خلل كبير
بدوره قال الإعلامي العراقي علي الكاتب، في تصريح لـ"جسور بوست" إن عملية تشكيل الحكومة العراقية دخلت في أزمات متتالية منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة في أكتوبر 2021.
وأوضح الكاتب أن عدم توافق الكتل النيابية الفائزة في الانتخابات على تشكيل حكومة، أدخل البلاد في نفق الانسداد السياسي التام، لا سيما في ظل حالة الفراق والعداء بين أنصار التيارات السياسية.
وأضاف: "لهذا خرج مؤخرا أنصار كتلة التيار الصدري إلى الشارع في مظاهرات حاشدة للاحتكام إلى الشرعية الشعبية، خاصة أنها الكتلة الفائزة الأكبر في الانتخابات الأخيرة، ورغم ذلك تعجز عن تشكيل الحكومة المقبلة".
وتابع: "العقلاء من السياسيين العراقيين استقروا على ضرورة إجراء حوار وطني خشية وقوع حرب أهلية، بهدف الوصول إلى انتخابات برلمانية مقبلة أو تشكيل الحكومة الجديدة".
وأشار إلى أن غياب التيار الصدري يعد "خللا كبيرا" لأن مخرجات الحوار الوطني لن تكون معبرة عن الكتلة الشعبية المؤيدة للتيار الصدري، ومن ثم فإن تلك الاجتماعات غالبا لن تفضي إلى أي نتائج إيجابية.
واختتم الكاتب حديثه قائلا: "كان الأجدر برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذهاب إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وإقناعه بجدوى الحوار الوطني، لا سيما أنه يعد وجهاً يحظى بالمقبولية من مختلف الأطراف".